ألمانيا والقلق على المستقبل بعد ميركل

23 أبريل 2021957 مشاهدةآخر تحديث :
ألمانيا والقلق على المستقبل بعد ميركل

ألمانيا بالعربي

ألمانيا والقلق على المستقبل بعد ميركل

ربما تكون المستشارة الألمانية الحالية أنجيلا ميركل، أكثر زعيم ألماني يحظى بقدر استثنائي من التقدير في الأوساط الشعبية الألمانية وعلى الساحة الأوروبية، وحتى على مستوى العالم؛ لذا فإن غيابها عن الساحة السياسية بعد أن أمضت 16 عاماً في الحكم، يحظى بنفس القدر من الاهتمام والتركيز المشوب بالقلق.

يعرب كثير من المحللين والمراقبين عن مخاوف تنتاب الألمان إلى جانب الأوروبيين من عدم قدرة من يخلفها في المنصب أياً كانت مؤهلاته، على سد الفراغ الذي تخلفه خاصة دورها المعروف في المحافظة على تماسك الاتحاد الأوروبي الذي زادت تبعات تفشي الوباء من تصدعاته، وسط اتهامات بالتقصير في المواجهة وفساد في ما يتعلق بمخصصات اللقاح وتوزيع الجرعات، بينما لا تزال جراح الأزمات الأوروبية السابقة ومنها أزمة القروض وأزمة الهجرة، ماثلة في ذاكرة الجيل الشاب من الأوروبيين.

لكن على أي حال لا بد من أن تغادر المستشارة الجليلة منصبها، الأمر الذي فرض على حزبها، الحزب الديمقراطي المسيحي الذي فاز بأكبر عدد من المستشارين في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أن يجتهد في اختيار أفضل ما لديه من قيادات لتولي الخلافة بعد ميركل.

أرمين لاشيت

ويبرز على هذا الصعيد أرمين لاشيت الذي اختير بداية العام الحالي لقيادة حزب ميركل من بعدها؛ كما تكشف استطلاعات الرأي عن بروز نجم ماركوس زودر، زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، الشقيق الأصغر للحزب المسيحي الديمقراطي في الائتلاف المحافظ الذي يقود ألمانيا. وقد انتهت المشاورات بين قيادات الحزبين قبل أيام إلى توافق على ترشيح لاشيت لمنصب المستشار ليخوض الانتخابات المقررة في سبتمبر/أيلول من هذا العام.

وبانتظار قرار الترشيح الرسمي ستكون لدى لاشيت الستيني، فرص جيدة لخلافة ميركل في المستشارية. وسبق أن أكد لاشيت في حديث مع قناة تلفزيونية تابعة لصحيفة «بيلد»، أنه واثق من أنه سيحصل على موافقة إدارة حزبه ليصبح مرشح المحافظين لمنصب المستشارية.

ويخوض ائتلاف يمين الوسط الانتخابات في وقت تراجعت شعبيته بدرجة كبيرة بسبب سوء إدارة أزمة كورونا، على الرغم من أن الحزب كسب في بداية تفشي الوباء شعبية إضافية نتيجة تحقيقه إنجازات سريعة في إدارة الأزمة.

وإثر اجتماع مغلق لقادة التحالف المسيحي المكون من الحزبين، قال منافسه زودر: «خلصنا إلى أن كلاً منا مؤهل وعلى استعداد لأن يكون مرشحاً للمعسكر المحافظ.» وبذلك أنهى زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري الغموض حول رغبته في الترشح للمستشارية في وقت تضعه استطلاعات الرأي في صدارة المحافظين. جدير بالذكر هنا أن زودر حصل في أحدث استطلاع للرأي على 54% بينما لم يحصل لاشيت سوى على 16% من الأصوات.

ملفات معقدة

وتنتظر لا شيت في منصب المستشارية ملفات معقدة منها ما هو مألوف لديه بحكم كونه سياسياً مخضرماً يتمتع بتجربة طويلة. فقد أمضى ست سنوات في بروكسل؛ حيث كان عضواً في البرلمان الأوروبي عن حزب الشعب الأوروبي ركّز خلالها بشكل أساسي على معالجة قضايا السياسة الخارجية الأوروبية والعلاقات الدولية ومسائل الميزانية.

وعلى صعيد السياسة الداخلية تحتل قضية الأمن حيزاً كبيراً من اهتمام لاشيت باعتباره زعيماً لمنطقة رينانيا شمال وستفاليا، وهي الأكبر من حيث عدد السكان والتي تأثرت بشكل كبير بالجريمة المنظمة؛ حيث كان عليه أن يتعامل مع المخاوف الأمنية لبعض الوقت.

أما بالنسبة للتطرف والإرهاب، فقد تبنى لاشيت شعار «عدم التسامح»، مشيراً إلى أن بدايته كحاكم للإقليم تزامنت مع تداعيات الهجوم الإرهابي الذي حدث في 19 ديسمبر/كانون الأول 2016؛ حيث دهست شاحنة حشداً من الناس في سوق عيد الميلاد في برلين، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل. وكشف الهجوم عن قصور كبير في عمل الأجهزة الأمنية.

وعلى صعيد السياسة الاقتصادية ربما يكون لاشيت مرتاحاً جداً خاصة وأن ألمانيا التي تعد «خزانة» الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية، لا تعاني مما يعاني غيرها من الدول الأعضاء. إلا أن لاشيت يفضل توخي الحذر في قضايا الإنفاق، ولا يؤيد السخاء في إنفاق المال العام. وقال في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتفق مع حزب الخضر، أكبر الرابحين من تراجع شعبية الحزبين الحاكمين، وقد يحظى بتشكيل الحكومة المقبلة وقيادتها في حال ارتفعت شعبيته ونجح في التقدم على الاتحاد المسيحي الديمقراطي. لكن لاشين مقتنع أيضاً بفلسفة الديمقراطيين الأحرار المؤيدة لخطط تعزيز أنشطة الشركات؛ حيث يدعو الحزب إلى خفض الضرائب، وتخفيف القيود المالية.

ويركز لاشيت على قضية تحقيق التوازن بين النشاط الاقتصادي وحماية البيئة. وقال في جلسة حوار مع زعامات الائتلاف المسيحي «إن سياسات المناخ لا ينبغي أن تخنق الاقتصاد». وقد أشاد بقرار إغلاق أول مصانع الفحم كخطوة أولى على طريق تطوير مصادر الطاقة النظيفة.

وعلى صعيد السياسة الخارجية يواجه لاشيت انتقادات علنية حول تراخيه حيال الروس وفلاديمير بوتين، في الوقت الذي تتعالى أصوات الداعين لتمتين أواصر التحالف الغربي في مواجهة روسيا وسط حشود مكثفة عند الحدود الأوكرانية.

ونقل عنه قوله سابقاً: «إذا كان الحوار بين الشرق والغرب ممكناً في زمن الاتحاد السوفييتي، فلم لا يكون ذلك ممكناً اليوم». ويعتقد لاشيت أن ألمانيا، ومعها الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى التعاون مع روسيا في مواجهة العديد من القضايا حول العالم. وعلى الرغم من أن حماية الصناعات الألمانية كانت الشغل الشاغل له في تاريخه السياسي فإنه لم يعلن عن موقف أكثر حزماً حيال السلع الصينية المتدفقة على أوروبا.

ويستنكر لاشيت الاتهامات الأمريكية لألمانيا التي تصفها بالسلبية السياسية حيال قضايا الغرب والعالم. ويعتقد أن بلاده تتبع سياسة متوازنة تدعم استقرار العالم وإعماره.

ولعل أبرز تصريحاته على صعيد السياسة الدولية كان انتقاده في تغريدة نشرها عام 2014، سياسة واشنطن في سوريا التي اتهمها بدعم «داعش» و«النصرة» ضد الرئيس بشار الأسد.

وأياً كانت مؤهلات لاشيت وخبراته فإنه لن يستغني عن دعم حلفائه في التشكيلة السياسة الحالية التي تزداد فيها حظوظ حزب الخضر، ما يعني أن فوزه بمنصب المستشار لن يحسمه قرار حزبه بترشيحه. كما أن تعقيدات الخريطة السياسية في شرق القارة واحتمالات التصعيد بين روسيا والغرب وما تفرزه من تطورات شرقي المتوسط وفي منطقة البحر الأسود، قد لا يدع للمستشار الجديد الكثير من الخيارات في توجيه سياسة ألمانيا الخارجية.

المصدر: الخليج

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة